الكأس وا جمل د جريج هاريس ترمجة: جورج نور عيسى طنوس

Transkript

1 الكأس وا جمل د يف جمد د روس اهلل وآالم اإلنسان جريج هاريس ترمجة: جورج نور عيسى طنوس 1

2 فصول الكتاب 2

3 الفصل األول الربية يف صقيع فجر ذات يوم اثنني نزلت إىل طابق التسوية غري املكتمل إنشاؤه حيثكان مكتيب الصغري. كراع للكنيسة يف مرييالند كان من ضمن مسؤوليايت كتابة رسالة أخبار الكنيسة الشهرية وهي مهمة كنت أستمتع بأدائها. كنت حباجة ألن أكتب للكنيسة كماكنت حباجة ألن أكتب إىل نفسي أيضا... فاألسبوع املاضي غ ر ري حيايت. الرسالة الشهرية لكنيسة "بريوين" املعمدانية 92 آذار 3221 "ضعي كليهما يف يدي!" " لكين ال أريد ذلك!" كان "جو هاموند" قد أعطاين للتو قطعة حلوى بالنعنع وهو تقليد درج عليه منذ زمن بعيد بعدكل اجتماع للكنيسة. وكان "بن" ذو الثالثة أعوام قد شاهده يعطيين احللوى كما شاهدته أيضا ابنيت "لورين". وكأب لطفلني أدركت معضلة وجود حبة حلوى واحدة ال ميكن تقسيمها. شاهدت "دوريس ستاو" ذلك فأسعفتين بقطعة حلوى أخرى كانت يف حقيبتها. توجهت أنا وأطفايل إىل غرفة املكتب ووضعتكتايب املقدس وقطعيت احللوى على الطاولة يف املمر بينما انشغلت ببعض األمور اإلدارية يف الغرفة األخرى وحني عدت إىل املمر كانت "لورين" قد أخذت كال قطعيت احللوى. قلت هلا: "ضعيكليهما يف يدي!" فقالت: "لكين ال أريد ذلك يا أيب!" فقلت: "لورين حبتا احللوى ملك يل ولن تكونا ملكك حىت أعطيهما لك. قد أعطيك إحداهن أوكلتيهما وقد ال أفعل لكنهما يل وأنا حر التصرف هبما. ضعيهما يف يدي!" برتدد وضعت "لورين" قطعيت احللوى يف راحة يدي. أعتقد أهنا كانت تتوقعين أن أعيد احللوى هلا مبا أهنا اختارت أن تطيعين لكين أغلقت يدي وقلت هلا بأننا سنتحدث يف األمر يف طريق عودتنا للبيت. كنت أنا وزوجيت "بتسي" ال نريد ألطفالنا أن يأخذوا ما مل يقدم هلم صراحة. فنحن نريد أن تكون هدايانا ألطفالنا مفاجآت لطيفة وليست حقا مكتسبا هلم. كنا نريد ألطفالنا أن يتعلموا أن اهلدية شيء جيب أن نشعر باالمتنان 3

4 ألجله وليست أمرا تلقائيا نتوقعه.كما نريدهم أيضا أن يتعلموا أمهية االنتظار فاألمور حولنا ال تسري حبسب مبا نتمىن وال بالسرعة اليت نريد. حصل هذا مساء األربعاء الرابع والعشرين من آذار بعد اخلدمة املسائية. مل أكن أدرك ساعتها أين كنت أحاول أن اعلم أوالدي شيئا سيواجهين اآلب السماوي به أنا وزوجيت مطالبا إيانا مبستوى الطاعة واخلضوع ذاته. كنت قد أخربت من حضروا اخلدمة املسائية مبا علمناه يف اليوم السابق عن خطورة املشاكل اليت هتدد محل زوجيت "بتسي". وبني تشجيع وتعزية من أصدقائنا املقربني وجدنا أنفسنا وإذا بزوجيت تدامهها آالم خماض الوالدة يف وقت متأخر من مساء ذات اليوم. يف طريقنا إىل املستشفى حنو منتصف الليل كنا نعلم أن األمور ال تبشر باخلري بالنسبة للجنينني التوأمني املتوقع والدهتما. كنت وزوجيت وكأننا يف حالة عدم قبول للواقع حني أخربونا يف املستشفى بأن الطفلتني لن تولدا حيتني. كنت قد توقعت بأين إن أعطيت الطفلتني هلل فال بد وأنه سيعيدمها يل. وإىل اللحظة اليت لرفت فيها املمرضة جسد الطفلة األوىل امليت بغطاء وعادت لتكرر األمر ذاته مع الطفلة الثانية كنت مل أزل أتوقع بأنه ال زال هناك مثة أمل. لكن يف اللحظة اليت ابتعدت هبا املمرضة وهي حتمل الطفلة الثانية لتغيب هبا عن ناظري إىل األبد أدركت متاما بأن هذه املرة ستكون من املرات اليت سيغلق هللا فيها يده على ما قد وضعت ه فيها. يف احلقيقة مل نكن أنا و"بتسي" قد وضعنا طفلتينا يف يدي هللا بعد لكن هللا هو من فعل ذلك ومل يكن لنا خيار إال أن نقبل ما اختار هو حبكمته املتناهية أن يفعل. فدورنا يف أن نضع طفلتينا يف يدي هللا مل يتحقق إال حني أدركنا أن هللا هو هللا وأن هللا فيه كل اخلري. وإن كان هللا قد ارتأى أن من األفضل أن يكون مسكن الطفلتني األبدي لديه فليس لنا إال أن نعهد هبما ألبيهما السماوي.كان هذا أساس إمياننا ورجاءنا يف املسيح يسوع. 4

5 كنت منذ ساعات قد أعربت البنيت "لورين" عن مدى حمبتنا هلا وعن سعينا لألفضل هلا. وقلت هلا إن إعطائي احللوى أو عدمه ليس حبال من األحوال مؤشرا على حمبيت هلا. ويبدو أين رمباكنت أقول هذه الكلمات لفائدة نفسي أكثر من إيل. فمحبة هللا ألبنائه مل ت علن يفكلمات وحي هللا املقدس ر فائدة ابنيت الصغرية. فمرة أخرى يو ر جه الربكلمات وعظي فقط لكنه برهن عنها يف املوت الكفاري البنه الوحيد يسوع ال بل إن هللا هو األكثر علما بشعور أن تشاهد موت ابنك وكان بإمكانه أن يتدخل يف أية حلظة لكن هللا برهن عن حمبته لنا ليس بأن جعلنا أبناءه فقط لكن أيضا من خالل أمور عديدة يف حياتنا ال ميكن إحصاؤها. فمحبته لنا ال تقوم على وجود الطفلني التوأمني يف بيتنا أو يف بيته. "ضع كليهما يف يدي!" " لقد فعلنا يا رب ونشكرك ألنك تعتين هبما." " ث ال أ ر يد أ ن ت ه ل وا أي ه ا اإل خ و ة م ن ج ه ة الر اق د ين ل ك ي ال حت ز ن وا ك ال ب اق ني ال ذ ين ال رج اء هل م. أل ن ه إ ن ك ن ا ن ؤ م ن أ ن ي س وع مات و ق ام فك ذل ك الر اق د ون ب ي س وع س ي ح ض ر ه م هللا أ ي ض ا مع ه. ف إ ن نا ن ق و ل ل ك م هذ ا ب ك ل م ة الر رب : إ ن ن ا حن ن األ ح ياء ال ب اق ني إ ىل م يء الر رب ال ن س ب ق الر اق د ين. أل ن الر ر ب ن ف سه هب ت اف ب ص و ت ر ئ يس م ال ئ ك ة و ب وق هللا س و ف ي ن ز ل م ن الس م اء و األ م و ات يف ال م س يح س ي ق و مون أ و ال. ث حن ن األ ح ي اء ال ب اق ني س ن خ ط ف ج يع ا مع ه م يف الس ح ب ل م الق اة الر رب يف اهل و اء و هكذا ن ك ون ك ل ح ني م ع الر رب. ل ذل ك ع ز وا ب ع ض ك م ب ع ض ا هب ذ ا ال ك ال م." ليبارككم الرب. لقدكنتم بركة وتعزية عظيمة حلياتنا. أخوك م يف الرب "جريج" 3 تسالونيكي :4 5

6 انتهى األمر! موت طفلك ليس باألمر العادي إطالقا وال ميكنين أن أقارن التجربة هذه بأي أمر آخر. فقد اكتشفت بأنه رغم أن بإمكانك العودة للتمتع باحلياة ثانية لكن لن يكون بإمكانك نسيان األمر وأن تلغيه من حياتك مطلقا. فجوة هناك إذ سيكون يف أعماق قلبك. وأنا حقيقة أعجب لكيف ميكن لشخص ما أن حيتمل موت ابنه دون االتكاء على حمبة املسيح. لكن هذا حيدث يف كل يوم وال ميكنين أن أجعل عقلي يستوعب كيف بإمكاهن م هذا. وال أحد يعل م ما الواجب قوله عندما ميوت طفل وكما شخص ما وال أحد يعلم ما جيب قوله لراعي الكنيسة باألخص حني يكون هو الشخص املتأمل. كتبت للكنيسة لكي يكون باإلمكان أن ننظر إىل موت الطفلتني بالطريقة الواجبة سبق وقلت فل م يتغري شيء. فأنا كتبت لنفسي قبل أن أكتب للكنيسة. وقد كنت أعين ما كتبت وال زلت ملتزما به إىل اليوم. لقد دخلت لتر وي إىل متمع املتأملني واحملزونني الذي مل أقربه قبال أو على األقل ليس إىل هذا املستوى. فهذا عامل ال تدخله بإرادتك. لكن يف وسط أملي وحزين الشديد كانت حمبة هللا وتعضيده واضحني بطريقة مل أعهدها أو أعلم هبا من قبل. ومع أن موت الطفلتني كان أكرب فاجعة تعرضت هلا لكين مل أش رك قط يف تعضيد هللا يل. فقد كنت يف حالة خمتلطة من اإلحساس باحلزن وبالنعمة باألمل واألمل من اإلحساس بالفاجعة واإلحساس بالسالم أحس من قبل مبقدار حمبة هللا يل كما أحسست يف ذلك الوقت. كما أين مل لقد اجتزت التجربة أو بتعبري أص ر ح لقد أعانين هللا على اجتيازها. وتوقعت أن أستمر يف حيايت االعتيادية ويف حياة اخلدمة فبعد عدة أشهر تركت الكنيسة يف مرييالند وانتقلت بعائليت إىل كارولينا الشمالية. كان أخي قد بىن لنا بيتا جديدا ألننا كنا سنصبح عائلة من ستة أشخاص. وكنت وقرعت عقد بناء البيت يوم االثنني وماتت الطفلتان بعد ذلك بثالثة أيام أي يوم اخلميس. مل ميكننا فهم مغزى ذلك التوقيت لكننا كنا نعلم أن هللا كان يتعامل مع األمر 6 جبدية. خالل رعاييت للكنيسة كنت أيضا أعمل كأستاذ يف كلية واشنطن للكتاب املقدس. وبعد موت الطفلتني استمررت بعملي يف التدريس إذكنت أذهب إىل كارولينا الشمالية مساء الثالثاء وأعود وقت العشاء يوم اجلمعة. بعد سنتني أضيف فصل جديد حليايت حني اختربت أيضا أمرا موازيا حلزين وهو املعاناة. فبعد أن انتهيت من أسبوعني من التدريس الصيفي يف الكلية عدت للبيت ألجل إجازة صيفية حافلة باخلطط والنشاطات. لكن خططي تغ ر ريت إذ استيقظت يف صباح أول يوم من اإلجازة ألتعثر وأسقط على وجهي وصرت أمشي بصعوبة بالغة. كنت شخصا رياضيا طوال حيايت واعتقدت أين رمبا تعرضت لضرر بسيط نتيجة الركض يف اليوم السابق. وكان ظهور بقعة محراء يف حجم حبة البازيالء على أصبع قدمي األكرب هو العارض الوحيد. لكن حاليت أخذت بالتدهور تدرجييا إذ اخذت قدمي اليمىن باالنتفاخ سريعا متحولة إىل كتلة متيل إىل اللون األزرق الداكن. أمضيت حنو أسبوع يف املستشفى بينما أجرى األطباء فحوصات وحتليالت عديدة حماولني اكتشاف ما حيدث يل فيما أخذ هذا اهلجوم كاحلي وركبيت اليمىن ووركي ورسغي األيسر وبعض أصابعي وحىت إىل ر الغامض ينتشر يف أحناء جسدي إىلكلتا قدمي و

7 حنكي. وكان االنتفاخ املصحوب بآالم مربحة يزداد بينما كان اهلجوم الغامض ينتشر إىل أحناء جديدة من جسدي. وبعد جولة مطولة من استبعاد احلاالت املرضي ر ة احملتملة خلص األطباء إىل أين أعاين من حالة متفاقمة من التهاب املفاصل. رمبا كان من األصح القول بأين أصبحت أسريا بالكامل حلالة التهاب املفاصل هذه. أصبحت مبثابة شخص مشلول ذلك بعد لنحو ثالثة أشهر ث أصبحت أحترك بشكل حمدود لنحو سبعة أشهر. ث حتسنت حاليت إىل أن أصبح بإمكاين املشي مبساعدة عكاز وبعد حنو عام كامل أصبح بإمكاين انتعال حذاء. خالل املراحل األوىل من مرض التهاب املفاصل تعرفت إىل مستويات جديدة مل أعهدها من آالم اجلسد عندما ازدادت حاليت سوءا بعد مغادريت املستشفى إذ تفاقم التهاب املفاصل إىل درجة منعتين من االستلقاء على السرير. كان الوضع املريح الوحيد هو اجللوس مسرتخيا على مقعد مائل يف الطابق األرضي. األمر الغريب أن األمل مل يستمر على مستوى ثابت بلكان يشتد ث ينحسر. لسبب ما كانت آالمي األشد تبتدأ حنو الرابعة صباحا إذ كان األمل يبتدئ بنبضات تتطور تتكسر يف كل إىل أمل مربح ينحسر 31 تعمل أحيانا وليس دائما تدرجييا بعد حنو أربع ساعات. كان الشعور بنبضات ثانية. كان الشعور باألمل طاغيا لدرجة أعجز فيها عن متييز مصدره. األمل هذه يشبه الشعور بعظامي كانت األدوية املسكنة لألمل وكنت أصاب بنوبات من التعرق ث أدخل يف غيبوبة وأستيقظ منها دون أن أعي بأين كنت غائبا عن الوعي وألي فرتة من الوقت. كنت أمترغ يف املقعد أو على األرض شاكرا حلقيقة أن أطفايل نيام يف الطابق العلوي وغري مضطرين لرؤييت يف هذه احلالة املزرية إذ كان طفالي يعلمان أن يف عمر اخلامسة والسادسة يف ذلك الوقت وكانا أبيهما مريض لكنهما مل يعلما طبيعة املرض. بعد توقف نوبات األمل كنت لبقية النهار أحاول الوقوف بقدمي حلالة ر قدمي. كنت أحس وكأن العظام يف قدماي كانت مك ر س رة. يف مراحل املرض األوىل كان الوصول ر على اسرتخاء يستغرق حنو أربع أو مخس ساعات ليحل املساء سريعا ولتبدأ جولة جديد من الصراع مع األمل. كان هذا برنا مي اليومي طوال عدة أشهر. 7

8 بدأت أتساءل إنكان سيكون بإمكاين الوقوف أو املشي ثانية. لكين فوجئت ببداية احنسار أعراض املرض بشكلكبري عندما بدأت بكتابة هذا الكتاب. وكما يف حال موت الطفلتني بدأت أحس حبضور الرب وتأييده. كنت على يقني بأنه عامل بظرويف ومبرضي كما علمت بأن حالة مرضي املتقدمة ليست أمرا شائعا فأدركت بأن األمر ال بد وأن يكون جزءا من خطة هللا حليايت. وكنت أود لو بإمكاين أن أعظ ثانية فقد اشتقت إىل البحث عميقا يف كنوز كلمة هللا يف كل أسبوع عدا عن الفرح الغامر لرؤييت تأثري الكلمة يف حيايت أوال ويف حياة إخويت. كنت أعي بأنه ال ميكننا التفاوض مع هللا لكين كنت أقول هلل بأين أف رضل بأن يكون بإمكاين أن أعظ وأعلرم على أن تكون يل القدرة على املشي ثانية. ببساطة كنت أف رضل بأن أعلرمكلمة هللا وأنا مصاب بالتهاب املفاصل على أن أمشي بشكل طبيعي. وأنا ال أكتب هذا بقصد التباهي بلكانت هذه فعال رغبة قليب وأنا أعتقد أن هللا هو من وضع يف قليب هذه الرغبة. فقد تعرضت إذا إىل جرعة من األمل وإىل جرعة من املعاناة لكينكنت أعلم يف قليب بأننا كنرا نكرم هللا يف حياتنا وهلذا توقعت منه بأن يعردين للمرحلة املقبلة من خدميت. ومبا أن هللا كان قد بارك اخلدمات األخرى اليت شاركت هبا ومبا أننا قد امت حنرا بالنار توقعت أن يكلفين هللا خبدمة ذات دور أعمق. لكن العكس متاما حدث فبعيدا عن انتهاء تربيت األمل واملعاناة تضاعفت التجربة بدخويل إىل الربية دون أد ى توقع مين. والربية هي مال مل أكن أعلم بوجوده. لكين كنت أتعلرم والفرصة األوىل يف تربة التعلرم هذه كانت حني استمعت إىل ترنيمة بصوت "مايكل كارد" عنواهنا "يف الربية". كانت ترنيمته تصف متاما املرحلة اليت كنت أمر فيها. يف املاضي كنت أعترب الربية مكانا كان يذكره الكتاب املقدس كاملكان الذي جرب فيه الشيطان يسوع. كما أين أعل م اآلن من دراسات أعمق بأن "يف الربية" هو أيضا اس م يطلقه اليهود على سفر العدد النص العرب ر ي هلذا السفر. "يف الربية" تعبري دقيق جدا يصف السفر بشكل أفضل من باستخدام الكلمة الرابعة من مرد كلمة "العدد". وأصبحت أعلم اآلن عن "الربية" أكثر جدا مماكنت أعلم قبال. ليست الربية مكانا بقدر ما هي حالة لكنها مع ذلك حقيقية جدا. ففي الغالب حنن نسعى ألن نكون مع هللا بعيدا مي هذه احلالة باخللوة أو الشركة مع هللا. لكن ما جيعل الربية برية عن مشغوليات ومشاكل حياتنا اليومية وحنن نس ر حقا هو ما يبدو عليها من اختفاء حلضور هللا. فهي تلك احلالة الغريبة اليت تنتقل فيها من النور الروحي إىل الظلمة الروحية وغالبا ما تهل بأنك يف تلك احلالة حىت تصبح غارقا فيها. يف ذلك الوقت كان ر ي أكثر من قد مضى عل عشر سنوات يف خدمة التعلي م والرعاية وكنت أعل م أن ال شيء يفصلنا أبدا عن حمبة هللا يف املسيح يسوع. وبينما كنت اعل م وأدرك بأين خاطئ خم لص بالنعمة فقط مع تقصري يف نواح كثرية ع ر ما يريده هللا حليايت الروحية كنت ال زلت أسعى جاهدا ملزيد من عمل هللا يف حيايت. فأنا مل أكن يونان بلكنت بولس! لكن ماكنت أمر به مل يكنكأي أمر اختربته يف حيايت من قبل. فلمدة مثانية أشهر ولسبب أجهله أحسست بأن هللا مل يعد يريد أي نوع من الشركة معي. أحسست وكأن صديقي املقرب غاضب مين وحذفين من قائمة معارفه دون أن يعلمين مبا فعلت أو بالسبب 8

9 الذي جعله يفعل ذلك. والربية حالة مؤملة جدا ت شعر املرء بالوحدة إىل حد كبري دون أن تكون وحيدا أو يف سجن انفرادي أو عرضة لالضطهاد. فيمكن أن تكون حماطا بالعائلة واألصدقاء يف بيتك بينما ال زلت حتس بأنك يف الربية. بشكل ما كان هذا اإلحساس يؤملين أكثر من موت الطفلتني وأكثر من معانايت مع التهاب املفاصل. كان احلال مربكا يل أكثر من أي مرحلة يف حيايت منذ أن ابتدأت رحليت مع املسيح. مل ميكنين أن أف ر سر لآلخرين ماكنت أحس به ألنه مل يكن بإمكاين أن أفسره متاما لنفسي. كنت قد وصلت حاجزا ال ميكن اجتيازه دون مكان لاللتفاف أو للخروج من هذه احلالة دون أي نور أو هداية. وبالطبعكان اجلزء األصعب يف هذاكله هو انعدام الشركة مع هللا. تغ ر ري وقت صاليت بشكل كبري خالل حالة الربية هذه ليصبح وقتا مليئا بالدموع وباألمل. فغالبا ما كنت أخاطب هللا حبردة لساعات. ويف حماوليت لتفسري حاليت لآلخرين كان أفضل ما ميكنين التفكري به هو الرسول بولس يف كولوسي 3:9 حيث يكتب الرسول عن جهاده ألجل الذين يف كولوسي ويف الودكية مستخدما الكلمة الالتينية اليت منها نستمد كلمة "املعاناة" أو "األمل الشديد" يف االجنليزية. وما كان يشري إليه بولس هو صالته "اجملاهدة" ألجل أولئك الذين يف الودكية. فهذه اآلية تعطينا فكرة عن األمل الذي ميكن أن تتضمنه صالتنا. فمىت كانت آخر مرة وص تف صالتك بالصالة "اجملاهدة" أو "املتأملة" وإن كنت هبا ترغب مبزيد من االتضاع فمىت كانت آخر مرة استخدمت فيها كلمة "اجملاهدة" لتصف فيها صلواتك ألجل اآلخرين وإنكنت ترغب بأن تشعر بعدم االستحقاق فمىتكانت آخر مرة وصفت فيها صالتك بالصالة "اجملاهدة" نيابة عن آخرين لست حىت تعرفهم مل يكن بولس قد التقى حىت ذلك احلني الالودكيني أو الكولوسيني لكنه كان مستغرقا يف صالة متأملة ألجله م بينما كان هو نفسه يف سجنه يف روما. وأنا شخصيا مل أصل إىل ذينك املستويني من الصالة املضحي ر ة بعد لكن الصالة أصبحت بالنسبة يل أمرا مؤملا. فأنا مل أخترب ما كان شعور يعقوب عند صراعه مع هللا لكن دون أي عالمات جسماني ر ة ظاهرة كان الصراع مع هللا هو ما كنت أختربه. فبدال من أن يكون هللا هو الروح املعزي واملعني بدا يل وكأنه حيبطين أو يبعدين عنه. وأنا مل يرق يل هذا الشعور أبدا. وكأنه خصمي. وبدال من أن يعينين ويرفعين بدا 9

10 كان جزء من األمل يف هذا الوقت سببه ماكان يقوله البعض جبهل يل لكينكنت أعلم أن هللا يرى ويعلم.كما ذكرت قبال كان أخي قد بىن لنا بيتا رائعا استعدادا لقدوم الطفلتني. وكان األصدقاء يبدون إعجاهبم مبنزلنا معلقني على مدى إحسان هللا إلينا. لكينكنت يف داخلي أغلي يف صراع شديد إذ مل أرد البيت بل أردت الطفلتني! وأولئك من رأوين مقعدا بتأثري املرض رأوين بعدها بأشهر أمشي أو أركض فكانوا يسبحون هللا أمامي ألجل أمانته معي يف شفائي وعندها أيضا كان شعور احلزن ذاته يعتصرين. فأنا مل أرد أن أمشي بل أردت أن أعظ وأعلرم الكتاب وكنت أعلم أن هللا يعلم رغبيت هذه. ومتاما كما حصل معي يف حالة التهاب املفاصل أصبح هذا األمر جزءا من برنا مي اليومي إذ كنت أصلي ألمر ما ويعطيين هللا عكسه متاما. فقد رعانا هللا واهتم حباجاتنا اجلسدية لكن ليس بالرغبات الدفينة يف قلوبنا.كانت جيع الفرص املتاحة يل للخدمة تتالشى أمام عيين وكان طالب الالهوت الذي علرمتهم قبال يكتبون يل بابتهاج عن أول فرص تتاح هلم يف اخلدمة أو لرعايةكنائس. ورغم أن ظروفهم هذهكانت تلب يل الفرح سعيدا بأنه كان يل دور يف منوهم الروحي مل ميكنين أن أفهم السبب وراء عدم استخدام هللا يل شخصيا. ليس ألين كنت أفضل منهم بل حلقيقة أن هللا قد استخدمين قبال لكنه أختار اآلن أرال يفعل. شعرت وكأنه قد نسيين متاما. وبينما كان طاليب السابقون مستغرقني يف خدمتهم اجلديدة كنت أنا أجلس على مقاعد املتفرجني أشاهد مواقع العمل اليت تقدمت هلا ترفضين. وغالبا ما كانت توصيات العمل اليت كانت حبوزيت عالية لدرجة تعل من املستبعد أن ال يتم اختياري لكن رغم هذا فقدكانت جيع فرص اخلدمة تتبخر أمام ناظري وكنت أعود إىل صالة اجلهاد ذاهتا متسائال يف نفسي عن سبب عدم رمحة هللا يل وعدم إنقاذي من حالة القنوط اليت أعيشها. ورغ م أين ال ألوم وباألخص تلك الكنائس فقد كان أحد أصعب األشياء حتمال يف هذه الربية هو الذهاب إىل الكنائس املختلفة أن تكون على اليت حترص عامل جذب للمصلني حيث يرمنون واليت مسيت - تراني م التسبيح هناك هبذا االس م خطأ ألهنا أغلبها تتحدث عنا وع ر ما نريد أن نفعله إلهلنا بدال عن أن تتحدث عن هللا وصفاته وع ر ما فعله ألجلنا. كانت هذه الكنائس األصعب حتمال. فقد كنت أراقب بينما احلضور يرمنون عن حياهت م املسيحية بشغف وعن السرور الذي به سيحملون صليبهم وراء يسوع مهماكانت التضحيات ضامنني االنتصار وعنكيف سيتمتعون حبضور هللا يف كل يوم حياهت م. من أيام لعظات تشجع الناس على قبول يسوع قائلة: باستمرار ولن تشعر بالوحدة أبدا. سيقودك كنت أفكر قائال : "ليس لديك م أد ى فكرة ع ر ما ترتمنون به!" وكنت أستمع "سيمنحك يسوع هبجة ال يع ر رب عنها وستشعر مبحبته وحبضوره يسوع وسيمنحك خطة حلياتك. سيكون يف احلياة معىن وسعادة وشعور بالرضى.كل ما عليك هو أن تسلم حياتك ليسوع وتعيش معه." وكنت أستمع لكل هذا وأنا أمتزق من الداخل. ليس ألن ما كانوا يتفوهون به كان خطأ بل ألنه ليس احلقيقة الكاملة. فأنا كنت أسري مع يسوع لكن األمور اليت يتحدثون عنها كانت غائبة من حيايت دون أن أفه م ملاذا. ف ركرت بك م سيكون من األفضل لو أنين كنت طفال يف 11

11 اإلميان من جديد لكي ميكنين أن أخترب نعمة هللا وحضوره من جديد لكين مل أفهم ملاذا يتعامل هللا بنوع من اإلمهال مع أولئك الذين تبعوه منذ سنوات. وكنت أعود مرة بعد األخرى إىل وحديت وصلوايت اليت غالبا كانت تقول: "لست أفهم! لست أفهم!" كان أشد ما يؤملين هو أنهكان يل كأب عالقة ممتعة عميقة بأوالدي كما أينكنت أعلم أن الكتاب املقدس يعلرم بأن هللا هو أبونا السماوي احملب لكن ها أنا أحد أوالده أصرخ إليه بيأس دون أن يعريين أي اهتمام. فقلت هلل: "يا رب أنا أعلم بأنك أب أفضل مين وكل ما أفعله كأب فأنت يل املثال الذي أحتذي يف احملبة والتشجيع والضمان والتأديب واحلماية والتشجيع. لقد تعلمت كل هذه منك. لكن ليس هناك يف حيايت ما يشابه ما تفعله معي اآلن. ال ميكنين التفكري بأي حالة ميكنين فيها أن أرغب بأن أكون بعيدا عن ابين حني يدعوين ملعونته. لكين رغم هذا لن أنكرك فأنت ريب وإهلي لكين ال أحب الطريقة اليت تتبعها معي اآلن فأنا لن أعامل أطفايل أبدا بالطريقة اليت تعاملين هبا اآلن. لست أفهم! لست أفهم!" ويف خضم هذا الصراع دعتين الكلية اليت كنت أعلرم فيها ألحتدث إليهم يف اجتماع العبادة. ويف األسبوع السابق ملوعد خدميت مل يكن لدي أدى فكرة ع ر ما كنت سأحتدث به لكن خطر ببايل بالتحدث من 3 بطرس 1::3 حيث ر ك ل ن ع م ة ال ذ ي دع انا إ ىل م د ه األب د ري يف ال م س يح ي س وع ب ع د م ا تأ ل م ت م ي س ري ا ه و ي ك ر م ل ك م يقول الكتاب: "و إ له و ي ث بر ت ك م و ي ق رو يك م و مي رك ن ك م." وكنت قبلها بأسابيع قد جنوت أنا وعائليت من إعصار تسبب بأضرار كبرية يف منطقتنا ويف الوالية وكنت أعلم أن الكلمات األربع اليت استخدمها بطرس لوصف ما سيفعله هللا هي عن إعادة البناء والتكميل أي مبعين إصالح أمر ما بعد أن مت تدمريه. فسألت: "يا رب مباذا ميكنين أن أكلم هؤالء الناس أنا أؤمن بك وبكلمتك وأعلم أن كلمتك صادقة لكن ال ميكنين أن أحتدث من هذا املقطع الكتايب بناء على اختبار من حيايت بعد." وكان هذا األمر يضايقين جدا إذ كانت هذه أول مرة أعظ فيها عن موضوع لست مقتنعا به متاما وأحسست بأقصى درجات النفاق يف ذايت. 11

12 ويف حالة من اإلعياء والتعب والقلق متسكت بكلمة هللا ومل أشأ أن أعرد عظة أو أن أكتب كتابا لكنين شرعت بالبحث عن إجابات من كلمة هللا حماوال اخلروج بشيء أو خبالصة منطقية آلخر ثالث سنوات ونصف من مسرييت معه. وكما هو احلال مع كل أمر من هللا فقد كان ما وجدته أعظم وأكرب مما توقعت فاهلل مل جيب عن أسئليت فقط لكنه استجاب إىل قليب أيضا وبصرب وحمبة أخذ يف شفاء ما يؤملينكما تتوقع متاما من الراعي الصاحل أن يفعل. والفصول التالية ستكون سردا لبعض الدروس اليت علرمين إياها هللا منكل هذا. بعض هذه الدروسكنت فيه مرتددا وبطيء الفهم. وهذه دروس ليست بالضرورة للجميع لكنها ملن يعانون حاليا من آالم معينة يف حياهتم خصوصا من هم يف حالة احلرية املؤملة اليت نتساءل فيها عن السبب الذي جيعل هللا يسمح لنا حباالت شديدة من املعاناة بينما نعلم أن بإمكانه أن يعاجل احلال يف حلظة. أمتىن أن تفتح هذه الدروس أمامنا آفاقا جديدة لفهم رمحة هللا وحمبته يف مساحه باملعاناة يف حياتنا ليقربنا منه أكثر ليجعلنا مشاهبني أكثر لصورة املسيح. يف جوهرها تعلمنا هذه الدروس احلقيقة البسيطة بأن هللا هو هللا وبأن هللا هو املسيطر. وال ميكننا أن نستخدم مسريتنا الطويلة مع هللا كمربر للتغاضي عن هذا املبدأ األساسي وإن كان هذا الكتاب يعينك أو يعني شخصا تعرفه يف اجتياز ظروف صعبة أو معاناة ما أو يف اجتياز تلك الربية اليت حتدثت عنها فأعتقد أن هذا الكتاب يستحق ما قد ب ذل من أجله. أدعوك ألن تأيت بقلبك وبآالمك لكن ال حت ضر كأسك... فاهلل لديهكأس بانتظارك! 12

13 الفصل الثاين الكأس منذ صالتنا األوىل طلبا للخالص وحىت بقية حياتنا املسيحية نكون غالبا يف حالة طلب شيء ما من هللا. والكتاب ر ك ل ش ي ء ب الص ال ة والدع اء م ع الش ك ر ل ت ع ل م املقدس يأمرنا وحيثنا على عمل ذلك ق ائال : "صلوا ب ال ان ق ط اع " و"يف ط ل ب ات ك م لدى هللا " و"ا س أ ل وا ت ع ط و ا. ا ط ل ب وا ت د وا. ا ق ر ع وا ي ف ت ح ل ك م " وهذا أمر ال يزعج هللا أن يطلب أوالده أمورا منه بل على العكس فكم تفيض القلوب بالشكر ألجل طفل يهبه لنا هللا بعد سنوات من الصالة أو إلرشاد إهلي بعد وقت طويل من فقدان اهلدى أو ألجل شفاء قريب أو حبيب أو خلالص صديق صلينا له فرتات طويلة والقائمة تطول... فكم سيكون عاملنا الروحي واملادي قامتا دون استجابة هللا لصلواتنا! لكنك ستكتشف على أي حال أن املعاناة تغ ر ري من منظورنا حلياة الصالة إذ تقودك املعاناة إىل إعادة فحص ومتحيص حمتوى طلباتك وصلواتك وباألخص حني تتضارب هذه الطلبات مع ما تعتربه حمطات سعيدة يف مسريتك الروحية. وهذا ال يعين أن من اخلطأ أن تسأل هللا أمورا معينة لكنك ستكتشف أن املعاناة يف حياتك ستخلق فيك فكرا خمتلفا من ناحية ما تطلب. فصلواتك لن تكون كما يف السابق حني تصلي من أعماق احلفرة! ويف الواقع هناك معاناة ما حني ال جييبنا هللا على طلبات كثرية نضعها أمامه أو حني يستجيب هلا بطريقة ال ترضينا. فاملعاناة الشديدة والطويلة ستجربك على الوقوف عند هذه األسئلة البسيطة لكن العميقة يف الوقت ذاته: ماذا تريد من يسوع ماذا تريد من هللا هذه األسئلة ليست بالبساطة اليت قد تبدو عليها واإلجابات عنها أصعب جدا. فإن كنت تصلي جبدي ر ة ألجل مسرية روحية أعمق مع يسوع وألجل بركات أعمق حلياتك الروحية فطريقة استجابة هللا هلذه الصلوات الغالية على قلبه قد تفاجئك لكنها بالتأكيد ستزيد من إميانك. فاستجابة هللا لصلواتنا وطلباتنا لربكات أكثر أو إميان أعمق ليست هي ببساطة أن يليب لنا هذه الطلبات بقدر ما هي أن يرتفع هللا بنا إىل مستوى يف حياتنا ميكننا معه أن نقبل هذه العطايا. فالطريق إىل العمق الروحي مع هللا طويلة جدا بغري ما نتوقع وغالبا ما تكون شائكة وحافلة باملعيقات. وحاملا نستوعب هذا املبدأ فعال سيكون بإمكاننا أن حنسب النفقة قبل أن نسأل هللا أن يس ر ري أمور حياتنا حبسب ما يريد هو. حلسن احلظ يسرد لنا الكتاب املقدس حالة مماثلة يف مرقس :43-11:3 حيث يتقدم يعقوب ويوحنا من يسوع طالبني منه أن يليب هلما طلبا وقبل أن نبدأ بفحص ما ك تب األحرى بنا أن نضع أمساءنا جبانب أمساء التلميذين فمحتوى صالتنا وطلباتنا يقدم دليال واضحا على أن سؤال قلوبنا يف غالب األحيان هو مرد أن مينحنا هللا أي شيء نسأله. "و تق د م إ ل ي ه ي ع ق وب و ي وح ن ا اب نا ز ب د ي ق ائ ل ني : يا م ع لر م ن ر يد أ ن ت ف ع ل لنا ك ل م ا طل ب نا. فقال هل ما: م اذا ت ر يد ان أ ن أ ف عل لك م ا فقاال ل ه : أ ع ط نا أ ن جن ل س و اح د ع ن مي ين ك واآلخ ر ع ن ي سار ك يف م د ك. فقال هل م ا يس وع : ل س ت م ا ت ع ل م ان م ا 13

14 ت ط ل ب ان. أت س ت ط يع ان أ ن ت ش رب ا ال ك أ س ال يت أ ش ر ب ه ا أن ا و أ ن ت ص ط ب غا ب ال ر ص ب غ ة ال يت أ ص ط بغ هب ا أنا فقاال ل ه : ن س ت ط يع. فقال هل ما ي س وع : أ م ا ال ك أ س ال يت أ ش ر ب ه ا أنا فت ش رب اهن ا وبال ر ص ب غ ة ال يت أ ص ط بغ هب ا أنا ت ص ط ب غ ان. و أ م ا اجل ل وس ع ن مي ي ين وع ن ي سار ي فل ي س يل أ ن أ ع ط ي ه إ ال ل ل ذ ين أ ع د هل م. و ل م ا مس ع ال ع ش ر ة اب تد أ وا ي غ تاظ ون م ن أ ج ل ي ع ق وب و ي وح ن ا. " فصالة يعقوب ويوحنا إىل يسوع وهي كانت صالة بالفعل سواء كان يسوع على األرض أو يف السماء كانت أن يعطيهما هللا أمرا ما ال أن يهبهما هللا ما يشاء هو باإلضافة إىل أهنما طلبا أمرا يتعدى حدود العامل املنظور وهو أن يشرتكا يف مد املسيح اإلهلي. غالبا ما ينتقد الوعاظ طلبة يعقوب ويوحنا هذه بينما يشري مفسرو الكتاب لتصرفهما هذا باألنانية والطمع والضحالة الروحية والسعي ملكافآت جسدية عاملية. وثانية األحرى بنا أن نضع أمساءنا جبانب امسيهما. فقد كان على يعقوب ويوحنا أن يتعلما الكثري ع ر ما يتطلبه األمر إن مها اختارا أن يتبعا يسوع فعال ومل يكونا يف هذه اللحظة قد اختربا أي معاناة بعد لكن ذلك كان وشيكا جدا كما حدث حني هربا هلعا عند القبض على يسوع يف بستان جثسيماين وعند الصلب وعند ظهور يسوع بعد قيامته. وبينما تصحكثري من االهتامات حبق يعقوب ويوحنا علينا أن نأخذ بعني االعتبار بعض احلقائق: على األقل ترك يعقوب ويوحناكل شيء ليتبعا يسوع. على األقل أدرك التلميذان القيمة احلقيقة هلذه "اللؤلؤةكثرية الثمن" واختارا أن يتبعاه. على األقل قادمها وجودمها مع يسوع إىل ترتيب أولوياهتما حبسب ما له قيمة حقيقية. على األقل حني ترك أكثر التالميذ يسوع بقيا مها جبانبه. على األقل استمرا على الطريق ومل يستسلما رغم خيبة أملهما من أن الطريقة اليت تعامل هبا هللا مع األمور كانت يف الغالب بعكس ما افرتضا. على األقل لقد أرادا أن يكونا مع يسوع يف اجملد. على األقل أدركا أهنماكانا يشريان إىل مده هو وليس إىل مدمها وأن من دونه ليس هناك مد أصال. باملناسبة ما الذي تصلي ألجله... حني تصلي على األقل كانا يؤمنان أن يسوع ميكنه االستجابة لصلواهتما. على األقل كان هناك جانب روحي يف صالهتما أو طلبهما فهما مل يطلبا أمورا مادية أو غىن أو ماال أو شريك حياة أو عمال أو صحة أو بركة لتجارهتما أو قائمة طويلة بأمنيات أخرى نسميها حنن قائمة صالة. على األقل طلبا أن يكونا عنصرا أساسيا يف مد املسيح بعد أن رافقاه حنو ثالث سنوات. كان هذا أكثر مما آمن به يهوذا وأكثر جدا مما متناه. على األقل لقد آمنا حبقيقة يسوع املسيح ورسالته ومتنيا أن يرتبطا به بشكل أبدي. كان هذا أيضا أكثر مما آمن به أو متناه الفريسيون والكتبة ومؤمنو ذلك الزمان. فبدال عن يسوع سعى هؤالء إىل مناصب القيادة والسلطة لكي حيظوا باحرتام الناس ويعيشوا يف رخاء. 14

15 على األقل كان لطلبة يعقوب ويوحنا نتائج أبدية. باملناسبة عندما تصلي ما الذي تصلي ألجله ماذا تقول بعد أن تقول عبارة: "يا يسوع أريدك أن حتقق يل ما أطلب منك." ما هو طلبك! ورغ م أنه من اجليد أن مينحنا هللا كمؤمنني امتياز الصالة علينا حنن بدورنا أن نفحص ومنحص حقيقة ما نطلبه من يسوع. وحني أعود مستطلعا دفرت طلبات صلوايت يف السنني املاضية أرى أنين غالبا ما تاهلت الصلوات أو الطلبات اليت ختتص باألمور األبدية. ليس األمر أن ما كنت أصلي ألجله كان خطأ لكنها كانت أمورا سطحية باألخص حني كنت أقول إين أريد مسرية أعمق مع يسوع دون أن أعين طليب فعال. فاملعاناة كانت إحدى الوسائل اليت استخدمها هللا ليجعلين أفحص حقيقة وجوهر ما كنت أصلي ألجله. فما حدث هو أين مل أغري حمتوى صاليت بإرادة مين بل جوهر تلك الصلوات. إشدة ظرويف هي ما بردلت إذا ما طلبه يوحنا ويعقوب من يسوع مل يكن باحلقيقة طلبا منفرا بل كان يف احلقيقة أفضل من حمتوى كثري من صلواتنا.كما أن هناك أمور ا ينطوي عليها هذا احلدث أكثر من مرد ما ميكننا أن نستشفه سطحيا. فمسؤوليتناكتالميذ جنباء هلل وكلمته هي أن حناول تقمص شخصية يعقوب ويوحنا لنرى بأعينهما ونسمع بأذنيهما. فاستعراضنا هلذا احلدث من منظورمها سيساعدنا يف الوصول إىل فه م أفضل لدوافعهما لسؤال يسوع ما سأاله. وبعد أن نفعل هذا سنربط ما تعلمناه برحلتنا الروحية الشخصية إذ أن هناك كنوزا دفينة يفكلمة هللا تنتظر منا التنقيب عنها وفحصها. والتنقيب هنا يتطلب مهودا لكن مثاره ستكون أبدية ومغرية للحياة وما سنكتشفه عندها قد يفاجئنا. 15

16 يف مرقس 2 أي األصحاح السابق لقصة طلب يعقوب ويوحنا يسجل الكتاب حدث تلي يسوع وعادة ما منيل ألن نقرأ حدث التجلي دون كبري اهتمام معتربين أن مشاهدة أمر كهذا ال بد أن يكون شيئا رائعا دون أن يلمس األمر نفوسنا لكن هذا احلدث أثرر يف نفوس الثالثة الذين شهدوه. وكان يسوع قد كشف هذا لتالميذه قائال يف مرقس 3:2: "احل ق أ ق ول ل ك م : إ ن م ن ال ق ي ام هه نا ق و م ا ال ي ذ وق ون ال م و ت ح ىت ير و ا م ل ك وت هللا ق د أتى ب ق و ة ". وبالنسبة ألتباع يسوع الذين كانوا دون أية ممتلكات لكن كانوا ينظرون إىل يسوع كاملسي ر ا املنتظر لشعب إسرائيل كان هذا كشفا عظيما رغم أهنم مل يفهموا فحواه متاما. ويف ذلك الوقت كان التالميذ قد شاهدوا بالفعل سلطان يسوع على املرض واملوت والطبيعة وعلى الشيطان وأجناده أي سلطانه على كل عنصر من عناصر خليقته األرضية. ورمبا كان من الصعب عندها على التالميذ التفكري بأي عامل مل خيضعه يسوع لسلطانه بعد. لكن ما وعد به يسوع اآلن أثار خياهلم خاصة أن يسوع قد ربط إظهار سلطانه هذا مبلكوته العتيد. وكما كان متوقعا كان رفاق يسوع األقرب بطرس ويعقوب ويوحنا ه م من اختاره م الباهر. فقد احندر هؤالء ا شيمل من اجلبل وقد تغريت حياهت م إىل األبد إذ كانوا بقية يسوع ليشهدوا هذا احلدث حياهت م يستعيدون ما شهدوا يف ذلك اليوم الذي لن ينسوه. ويف الواقع كان هلذا االستعراض الوجيز مللكوت يسوع العتيد تأثري على بطرس أعظم من حدث على املاء أو من أي معجزة أخرى صنعها يسوع. ففي 9 بطرس 31-3::3 وقبل أسابيع من صلبه هو ألجل إميانه باملسيح يف بعض آخر أفكاره قبل أن يواجه املوت يستذكر بطرس تأثري وأمهية حدث التجلي قائال : أل ن ن ا مل ن ت ب ع خ ر اف ات م ص ن ع ة إ ذ ع ر ف ن اك م ب ق و ة ر بر ن ا ي س وع ال م س يح و م يئ ه ب ل قد ك ن ا م ع اي ن ني ع ظ م ت ه. أل ن ه أ خ ذ م ن هللا أنا س ر ر ت ب ه. و حن ن ج د األ س ىن : هذا ه و اب ين احل ب يب ال ذ ي مس ع نا اآلب ك رام ة و م د ا إ ذ أ ق بل ع ل ي ه ص و ت كهذا م ن ال م هذ ا الص و ت م ق ب ال م ن الس م اء إ ذ ك ن ا م ع ه يف اجل ب ل ال م ق د س. وعادة ما يتحدث اإلنسان أو يكتب عن أمور غالية على قلبه حني يعل م ق رب موته وبطرس ليس حالة خمتلفة هنا. فقد كان حدث التجلي من أكثر األحداث اليت يتذكرها بطرس من ضمن حياة حافلة بآالف الدروس اليت تعلمها من يسوع. كما كتب يوحنا أيضا وهو شيخ يف يوحنا 34:3: "و ال ك ل م ة صار ج سد ا وح ل ب ي نن ا ور أ ي نا م د ه م د ا ك م ا ل و ح يد م ن اآلب مملوءا ن ع م ة و ح ق ا." وإعالن يوحنا هنا رمبا يشري حلدث التجلي أكثر من أي أمر آخر. فرغ م أن يسوع كشف عن مده لتالميذه بالتدريج إال أنه كان يكشف هل م هذا يف أحداث صغرية. ففي الغالب وباستثناء التجلي شهد التالميذ تواضع يسوع أكثر من مده. وحىت قيامة يسوع وصعوده مل يوازيا مد هللا الذي ظهر عند التجلي. ورمبا يكون هذا هو السبب الذي جعل يوحنا يتعرف على يسوع احلدث فقد كان يوحنا قد شهد تلي مد يسوع الباهر قبال. حني ظهر له على جزيرة بطمس بعد سنني طويلة من هذا ورغ م هذا فقد كان التجلي حدثا مغ ر ريا حلياة الثالثة الذين شهدوه. إذ كيف ميكن لبطرس ويعقوب ويوحنا أن ينظروا ألمور احلياة املادية بالطريقة ذاهتا بعد أن شاهدوا مد املسيح شخصيا هل تعتقد أن رؤية مده ورؤية موسى وإيليا 16

17 ومساع صوت هللا واضحا شاهدا البنه احملبوب سيجعله م يعودون حلياهت م املعتادة هل ستكون شهوة قلوهب م اآلن مرد أن يصبحوا مواطنني رومانيني وأن ترتفع مكانته م املالية واالجتماعية خالل حياهت م على هذه األرض هل تعتقد أهن م كانوا يغارون من الفريسيني ومكانته م االجتماعية هل تعتقد أن أيا مما حلياة العامل وغناها أن تقدمه كان ميكن أن جيتذهب م 2:2 علينا أن نتذكر بطرس أيضا الذيكان مع يعقوب ويوحنا فقد شاهد ما شاهدا ومسع ما مسعا. إال أن يسوع يف مرقس "أ و ص اه م أ ن ال حي رد ث وا أح د ا مب ا أ ب ص ر وا إ ال م ىت قام اب ن اإل ن سان م ن األ م و ات ". والحظ هنا أمهية ما قاله يسوع إذ ع كان التالميذ "ح ف ظ وا ال ك ل م ة أل ن ف س ه م ي ت ساء ل ون : م ا ه و ال ق ي ام م ن األ م و ات ".. وهذه بارة مهمة جدا سنعود إليها الحقا. وحني نقرأ هذا احلدث يف إجنيل مرقس يبدو لنا أن الفاصل كان مرد أيام قليلة بني التجلي يف مرقس 2 وطلب يوحنا ويعقوب يف مرقس :3 لكن احلقيقة هو أن الفاصل بني احلدثني كان حنو عام من الزمان. فكل ما ي سرد لنا يف لوقا :3-31 ويوحنا 7-:3 حدث بعد التجلي لكن قبل ذلك السؤال يف مرقس :3. وميكننا أن نستقرأ هذا من تغري املنطقة اليت كان فيها يسوع مع تالميذه. فالتجلي حدث على جبل يف اجلليل مشال اليهودية بينما وقعت أحداث مرقس :3 أثناء رحلة يسوع األخرية حنو أورشليم قبل بضعة أيام من الصلب. ومع هذا مل يربح التجلي أذهان التالميذ الثالثة الذين شاهدوه. ورغم أنه مل ي شر إليه ثانية يف الوحي املقدس فال بد أن بطرس ويعقوب ويوحنا تداولوا حدث التجلي ومدلوالته فيما بينه م مبنأى عن باقي التالميذ وعلى األغلب حني كانوا مع يسوع وحده م. ولن نعل م إن كان يسوع قد كشف هل م مزيدا من احلق حىت يأيت الوقت الذي نعل م فيه كل العل م يف السماء. لكن مد التجلي مل يكشف الكثري لبطرس ويعقوب يوحنا فور حدوثه بل تسبب يف مزيد من األسئلة ومزيد من النقاش. وكما يف أحيان كثرية كشف يسوع فيها حقائق أكثر كان كشفه هذا يف الوقت ذاته يضفي مزيدا من الضبابية على ممل الصورة كما هو احلال عندما حتدث يسوع عن موته و مده. ففي مرقس 19-13:2 حتدث يسوع لتالميذه عن موته مؤكدا هل م ثانية وعده بالقيامة من املوت. وكل التالميذ االثين عشر مبن فيه م من شهدوا التجلي مل يفهموا ما قاله يسوع وخشوا أن يسألوه. فما قاله يسوع مل يزدهم إال ح ر رية. وهكذا بعد حنو سنة مل يندفع يعقوب ويوحنا يف طلبهما إىل يسوع بأن يكونا مع يسوع يف مده بل كان ما طلباه بادرة حمسوبة وحمددة تتناسب مع وقت الطلب. فال بد أنه حدث أمر ما كان هو الدافع إىل طلبهما هذا من يسوع كسماع شيء أو مشاهدة حدث ما قادمها خلطوهتما هذه. وبالفعل كان قد حدث شيء ما وبالنظر إىل األمور من زاوية يعقوب وي وحنا فقد كان ما طلباه أمرا منطقيا جدا. كان يسوع يف آخر أيامه على األرض عند أحداث مرقس :3. ومل يكن يسوع قد قصد أن يتو ر جه إىل أورشليم ليتمم املشيئة اإلهلية فحسب )لوقا 13:2( لكنه نوى أيضا أن يعلم تالميذه بشكل يومي ومستمر. وغالبا ماكانت أحداث 17

18 اليوم أو مواجهة ما مع شخص أو جاعة ت ستخدم من السيد كوسيلة إيضاح ملا سيقوله عن احلق وعن احلياة. وكلما اقرتب يسوع من صليبه ازدادت عمقا تلك الدروس الروحية اليت كان يعلرمها للتالميذ. وعلى وجه التحديد كانت هناك حادثة بعينها أثرت يف من شهدها وهي اللقاء مع الرجل الغين يف مرقس :37:3-13. إذ مل يؤد هذا اللقاء إىل نقاش ملوضوع املكافآت السماوية فحسب لكنه قاد يف النهاية يوحنا ويعقوب إىل طلبهما الذي حنن بصدده. فقدوم رجلكهذا إىل يسوع مستعلما عن أمر ما رمبا دعا التلميذين للتفاؤل بشأن طلبهما. فليس أهنما كانا يريدان انضمام شخص آخر للتالميذ االثين عشر لكنهما نظرا ملا حدث مع الرجل الغين كحادث إجيايب كان مؤشرا على التغري يف شعبية يسوع بينما كان يقرتبون من أورشلي م. ومع أن يسوع كان عادة ما يواجه معا رضة شخص يتمتع مبا هلذا هذا الرجل من قدرة مالية وسطوة القادة الدينيني طوال خدمته على األرض مل يأته من قبل اجتماعية لكن يف الوقت ذاته يسعى لألمور الروحية. فال بد أن شخصا مثل هذا كان سي عترب صيدا مثينا للملكوت. وبعكس أغلب من قبلوا رسالة املسيح كان لدى هذا الرجل ما يقدمه لكن تعا مل يسوع مع هذا الرجل كان بعكس ما توقع متاما. التالميذ أنه فذلك الرجل الغينكان يفتقد أمرا هاما أدركه حنيكان يتأمل يف قرارة نفسه يوميا. فرغم أنهكان ذا أمالك كثرية ال بد أدرك أن يف احلياة أمورا أه م مما ميتلك. فقد أدرك حاجته هلل لكنه مل يفه م طبيعة ذلك الفراغ الروحي الذي حيس به. ويف الواقع يبدو أن إحساسه هذا بالفراغ قد فاجأه ألنه يف نظر نفسه كان يعيش حياة ورعة وحيفظ الناموس )مرقس :3::9(. فقد كان يرى نفسه كرجل صاحل. لكن تقديراته الشخصية كانت هي ذاهتا العقبة اليت حتول بينه وبني احلياة األبدية. أي رأيه هو يف نفسه ومقاييسه وتقديراته وليس رأي هللا وحكمه. فيسوع املخترب أعماق اإلنسان ودوافعه خاطب الرجل بلطف مقتبسا بعضا من الوصايا العشر. وحىت هذه الوصايا كشفت مدى الضحالة الروحية هلذا الرجل. فذلك الرجل الغين كان يف احتياج أدركه كما أدركه يسوع عاملا أن إحباط الرجل يتعدى مرد إطاعته تلك الوصايا األساسية. وكان يسوع قد اقتبس آخر ست وصايا وهي اليت تتناول عالقة اإلنسان بأخيه متخطيا األربع األوىل اليت تتناول عالقة باهلل اإلنسان ومسؤوليته تاهه. وكانت هذه نقطة بداية موفقة إذ إنه كان يتحدث لشخص ذي خربة وعلو كعب يف أمور هذا الزمان. وكان الرجل قد أجاب يسوع بأنه قد حفظ جيع هذه الوصايا لكنه يف قرارة نفسه كان يعلم أنه ال زال حباجة لذلك األمر الذي يؤرقه أال وهو احلياة األبدية. لكن بدا من إجابته أن فهمه للحياة األبدية كان حمدودا بطريقة تعريفه هو هلا وليس حبسب مفهوم هللا إذ مل ي شر الرجل مرة واحدة خالل نقاشه إىل هللا. فهو أراد احلياة األبدية لكن حبسب مهوداته الرجل كل ما يتمناه وما أراده هو الشخصية وشروطه هو. فقط أن يبطئ لقد أراد املكافأة األبدية وليس العالقة األبدية. فقد كان لدى هذا من عجلة احلياة أو رمبا أن يستمر رخاؤه هذا ملا بعد املمات. لكن يبدو أن خواءه الداخلي كان يتناقض مع تقديراته الظاهرية. إذ إنه أدرك يف نفسه أن ال بد أن يكون هناك شيء أكثر 18

19 ميكنه أن يفعله معرتفا ليسوع بأنه يفتقد شيئا ما. وقد أجاب يسوع مستخدما املنطق ذاته الذي استخدمه الرجل مقدما له وصية جديدة وهي أن يبيع الرجل جيع ممتلكاته ويعطي مثنها للفقراء وأن يتبع يسوع )مىت 32::9(. والسؤال الذي طرحه ذلك الغين يعطينا نظرة أعمق ل قيم هذا الرجل. فالرجلكان يستعلم عن األمر الذي يفتقده بينما كان السؤال األصح هو عن الشخص الذي يفتقده. فالكتاب يف مرقس 99:3: يسجل لنا استجابة الرجل لدعوة يسوع بقوله: "ف اغ ت م ع لى ال ق و ل وم ض ى ح ز ين ا أل ن ه كان ذ ا أ م و الك ث ري ة ". إذا بالرد على الرجل مبنطق يفهمه أي مبنطق العامل املادي الذي يرى فيه الرجل نفسه بارا كشف يسوع حقيقة أن الرجل كان بالفعل قد كسر الوصية األوىل الواردة :1:9 يف خروج واليت تقول "ال ي ك ن لك آهل ة أ خرى أم ام ي." فذلك الرجل تعلق بإله عامله املادي الذي لن مينحه سالم النفس أبدا بل سيخنقه بالتدريج كلما سعى الكتساب املزيد منه. جاء الرجل إىل يسوع مهموما ويف احتياج وعاد أدراجه يف ذات احلال يلفه احلزن. وغالبا ما حيزن اإلنسان لفقدان شخص أو أمر عزيز ويف هذه احلالة فقد هذا الرجل حلمه أي تالشي املبدأ الذي تصوره لفوز اإلنسان باحلياة األبدية. فكل ما مسعه ذلك الرجل من يسوع هو مرد وصية بأن يبيعكل ما له وليس الدعوة الشخصية الترباع يسوع. مل ميكن لذلك الغين أن يستوعب إمكانية خسارة األمر األول يف سبيل الفوز باآلخر. لقد غادر هذا الرجل املكان حزينا دون يسوع ودون بركة ودون سالم. ومنذ ذلك اليوم مل تلب له كل أمالكه أي شعور بالرضى بل جلبت له أملا صامتا ترن أصداؤه يف خواء حياته. لكن التالميذ بأي حال ما كانوا سيديرون النقاش كما فعل يسوع فرغم أهنم مل يقولوا شيئا لكن يبدو أهنم مل يكونوا مقتنعني مبا فعله يسوع وتصرفاهتم كشفت تفكريهم هذا. فالكتاب يقول يف مرقس :94:3: "فت ح ي ر الت الم يذ م ن كال م ه " بينما يضيف يف اآلية :9 أهنم "هب ت وا إ ىل ال غ اي ة " حني حتدث يسوع عن عسر دخول غين إىل ملكوت السموات. لكن ملاذا حتري التالميذ من تعاليم يسوع فقد استمعوا ليسوع مرات عديدة وشاهدوه لنحو ثالث سنوات وهو يصنع املعجزات ومع هذا مل يسجل لنا الكتاب حرية التالميذ من كل هذا إىل هذا احلد على األقل. فما الذي قاله يسوع وأدى هبم هلذا احلد من احلرية اجلواب هو أنه من وجهة نظر التالميذكان هذا الرجل الغين حيظى بربكة الغىن من هللا وطبيعة رد فعلهم عكست ذلك وغالبا ما يكون لدينا حنن االعتقاد ذاته. ففي الواقع أال يعكس حمتوى صالتنا رغبتنا يف أن يكون لدينا ما كان لذلك الرجل أال نطلب رخاء ماديا يف أعمالنا أو ممتلكاتنا لنصل إىل حرية مادية تقلل من اعتمادنا على هللا أال نرغب أيضا بالصحة وحبيوية الشباب ليكون لنا كما قال يسوع لبطرس: "احلق اقول لك ملا كنت اكثر حداثة كنت متنطق ذاتك 19

20 ومتشي حيث تشاء" كما نريد أن حنظى بذات االحرتام والتقدير والتميز عن اآلخرين بقيمتنا االجتماعية وبعمل يدر دخال جيدا مع شعور باألمان. فنحن نريد من اآلخرين أن يالحظوننا وخيدموننا. يف الواقع فإن ممل حمتوى صلواتنا ميكن تلخيصه مبا يلي: احلرية يف أن نفعل ما نريد ماليا مع صحة جيدة نستمتع فيها باحلياة بينما حنظى باحرتام حيسدنا اآلخرون عليه. ليس ألجل قيمتنا احلقيقية أو ألجل ما نفعله بل ألجل ما منتلكه. وحمتوى معظم صلواتنا يقدم دليال قويا على أننا أنفسنا نود لو نتبادل املواقع مع ذلك الشاب الغين وأن حنظى باملمتلكات ذاهتا اليت كانت لديه مع احلفاظ على بعض العالقة بيسوع. هذا كان مفهوم التالميذ وكذلك حنن يف شأن الربكة اليت من هللا. باملناسبة حني تصلي... فما الذي تصلي ألجله كالعادة كان بطرس هو من يسأل األسئلة اليت تتناول ما يف أذهاننا. ففي يف مىت ذاته احلدث سرد 91-97:32 الحظ كيف يعمل عقل بطرس. ففي مفهومه ال ميكن إلنسان أن حيظى بربكة من هللا أكثر مما حظي به ذلك الغين الشاب. فقدكان لدى ذلك الرجل ما حيلم به أي إنسان متنعما بكل ما ميكن أن يبارك هللا به بين البشر. لكن يسوع قال للرجل أن يبيعكل ممتلكاته ليكون لهكنز يف السماء. وجواب يسوع فاجأ بطرس الذي مل يسع ليفهم حقيقة األمر فهل الربكات مساوية فقط مل يسأل بطرس ومل يهتم لذلك يف تلك املرحلة من حياته كما أنه مل يهتم خبالص ذلك الغين أو بأن يعرف ملاذا ميكن أن يكون الغىن عائقا للفوز باحلياة األبدية. فقد اهتم بطرس بالسؤال ع ر ما سيكون هلم ولوكان مع يسوع وحده فرمباكان سيسأله عن نفسه قائال : ماذا عين إذ ابتدأ بطرس سؤاله يف مىت 97:32 قائال "ها حنن" وهذه كانت مقدمة الفتة تؤشر ملدى أمهية اجلملة القادمة. "ها حن ن ق د ت رك ن اك ل ش ي ء و ت ب ع ناك. ف م اذ ا ي ك ون لنا " أو بكلمات أخرى لقد فعلنا حننكل ما طلبت من الرجل الغين أن يفعله. رمبا ليس لدينا ممتلكاته لكننا تركنا ما كان لنا وتبعناك فماذا يكون لنا وهذا سؤال منطقي يف تلك احلال إذ مل يوبخ يسوع بطرس على سؤاله عن املكافآت األبدية بل أجابه قائال : ت ب ع ت م وين يف الت ج د يد م ىت ج ل س اب ن اإل ن سان ع ل ى ك ر س ري م د ه ت ل س ون أ ن ت م أ ي ض ا ع ل ى "احل ق أ ق ول ل ك م : إ ن ك م أ ن ت م ال ذ ين ع ش ر." لنتذكر أن يعقوب ويوحنا شهدا التجلي وكانا يعلمان أكثر من غريمها أس ب اط إ س ر ائ يل االث ين ع ش ر ك ر س ي ا ت د ين ون اث ين مد عرش هيئة املسيح وال بد أن قلبامها قفزا فرحا لسماع ما قاله يسوع. وخيربنا الكتاب يف لوقا 33:32 أن التالميذ كانوا "يظنون أ ن م ل ك وت هللا ع ت يد أ ن ي ظ ه ر يف احل ال " ومع هذا امللكوت ال بد أن يأيت ذلك اجملد الذي شهدوه قبال يف التجلي غري أن اجملد هذه املرة لن يشهده فقط ثالثة تالميذ مرتبكني على جبل منعزل بل سيسطع مد امللكوت على أمة اسرائيل كلها وعلى العامل بأسره )إشعياء 9:4-:(. 21

21 هل سنحظى بشيء من هذا ال بد أن يوحنا ويعقوب تبادال هذا السؤال فمشاهدة يسوع يف مده وأن ينعما مها نفسامها هبذا اجملد ويرتبطا به أبديا ألمر آخر. املقاييس. املستح ق شيء يا للمكافأة! يا هلا من مكافأة تفوق الوصف وتتخطى كل ث و ر سع يسوع من إجابته لتشمل )مبا يف ذلك أنت وأنا( كل من يرتك أناسا أو ممتلكات ألجل اإلجنيل. فقد وعد بتعويضات ال حد هلا بعضها سيكون أرضيا لكن أغلبها مستقبلي )مىت 92:32(. بأي حال أهنى يسوع حديثه بطريقة الفتة حني قال يف مىت :13:3: "و لك ن ك ث ري ون أ و ل ون ي ك ون ون آخ ر ين و اآلخ ر ون أو ل ني ". ويف سرد مىت للحدث استمر يسوع يروي مثال حيوي سؤاال هو: هل يل أن أفعل ما أريد مبا أمتلك وبالطبع كان يعقوب ويوحنا يستمعان حلديث املخلرص. بعد هذا النقاش وبينما استمرت الرحلة األخرية حنو أورشليم اختلى يسوع باالثين عشر وابتدأ خيربهم عن آالمه العتيدة وعن موته )مرقس :14-19:3(. خمتتما حديثه مرة أخرى بأن وعد تالميذه بأنه سيقوم ثانية. إذا بالنظر إىل كل ما علرم به السيد قطيعه الصغري يف تلك األيام يربز مبدأ هام يتلخص يف ما قاله يسوع لبطرس ويعقوب ويوحنا بعد التجلي وهو ما كان الثالثة أيضا يتداولون به لكن دون أن يفهموه. فأيا كان املقصود بالقيامة من املوت ال بد أنه كان يرتبط بشكل ما جبلوس يسوع على عرشه يف اجملد. ليس هذا فقط بل أصبح األمر منوطا بالتالميذ بأن جيلسوا هم أنفسهم على عروش ليدينوا أسباط إسرائيل نائلني جائزهتم اليت انتظروها. تصريح يسوع عن قيامته من األمواتكان مبثابة إشارة االنطالق ليعقوب ويوحنا إذ يقول الكتاب يف مىت :9::9 عن خماطبة يعقوب ويوحنا ليسوع أهنما "حينئذ" أي أن طلب التلميذين كان نتيجة للمعلومات اليت مسعاها من يسوع واليت منحتهما فرصة السؤال ع ر ماكان يدور يف خميلتهما أصال. ضع نفسك مكان يعقوب ويوحنا فقد كانا شاهدين على مد يسوع يف التجلي. أمل يكونا "أول" من شاهد امللكوت العتيد مبجده وقوته ومبا أن يسوع أمرمها أن ال يقوال شيئا ع ر ما شاهدا حىت يقوم من األموات ومبا أنه حتدث اآلن صراحة عن قيامته من املوت رابطا األمر باملكافآت اليت سينالوهنا عند ذاك بدا أنه من الواضح أن ذلك اجملد أصبح وشيكا. ومبا أن يسوع قال مرارا أن األولني سيكونون آخرين )كثريون وليس الكل( سعى يعقوب ويوحنا لتأمني مكاهنما. فعدم الطلب من يسوع رمبا كان سيكون مبثابة عدم تقدير ملا قدمه هل م. فيعقوب وي وحنا أدركا مكافأهتما وسؤاهلما كان خيتص مبوقعهما. من الواضح أهنما به فتداركا األمر بالذهاب إىل يسوع طالبني منه تأمني مكانتيهما. طبيعة شهدا يسوع و مده ومل يريدا أن يكونا من آخر املشاركني 21

22 الحظ أن يعقوب ويوحنا مل يشمال بطرس بطلبهما مع أنه شهد ما شهدا. وخيربنا الكتاب أن :43:3 يف مرقس التالميذ العشرة الباقني اغتاظوا مما فعل يعقوب ويوحنا وميكنك أن تتوقع أن بطرسكان البادئ باالعرتاض إذ ال بد أنه كان أكثرهم غيظا فباقي التالميذ مل يروا ما رأى هو. وال بد أنه رمقهما بنظرة عتاب تقول: "لقد طلب منا يسوع أن ال نقول شيئا حىت يقوم من املوت. إنكما مل تطيعا الوصية. وخبهما يا يسوع!". وحبسب ما نعلمه عن شخصية بطرس يف ذلك الوقت ال بد بأنه كان غاضبا إذ مل يطلب ذلك االمتياز بنفسه. لكن ما يعجز كثريون عن رؤيته هو أن يسوع مل يوبخ يعقوب ويوحنا على طلبهما. فبشكل ما كان طلب يعقوب تعبريا عن إمياهنما ورجائهما متاما كالطفل الذي يقول ألبيه: ميكنك يا أيب أن تستخدم نقودي لتدفع تكلفة إصالح السيارة. فيسوع كان قد علمهم قائال : "اط ل ب وا أ و ال م ل ك وت هللا و ب ر ه و هذ ه ك ل ه ا ت ز اد ل ك م " وعلمهم قائال : "ال ت ك ن ز وا ل ك م ك ن وز ا ع لى األ ر ض ح ي ث ي ف س د الس وس و الص د أ وح ي ث ي ن ق ب الس ار ق ون وي س ر ق ون ب ل اك ن ز وا ل ك م ك ن وز ا يف الس م اء ح ي ث ال ي ف س د س وس وال ص د أ وح ي ث ال ي ن ق ب س ار ق ون وال ي س ر ق ون ق ل ب ك أ ي ض ا." )مىت أل ن ه ح ي ث ي ك ون ك ن ز ك ه ن اك ي ك و ن ::93-32(. لقد علم يعقوب ويوحنا ما هو الكنز احلقيقي وأرادا أن يكونا مع يسوع إىل األبد. باملناسبة فما الذي تصلي ألجله... حني تصلي ت سلط استجابة يسوع لطلب يعقوب ويوحنا ضوءا ثاقبا خيرتق فهمنا وقلوبنا أو بشكل أصح خيرتق فهمنا اخلاطئ للصالة. فمثال قال يسوع ليعقوب ويوحنا إهنما ال يعلمان ما يطلبان مستخدما كلمة يونانية تعين "الفهم أو اإلدراك." وال خيربنا الكتاب بردة فعل يعقوب أو يوحنا لكن ال بد أهنما مل يقتنعا متاما برد يسوع. أو رمبا يكون قد خي ر ل إليهما عندها أن يسوع مل يفهم حقيقة طلبهما. لكن يعقوب ويوحنا كانا يعلمان ما يريدان وكانا يعلمان أن يسوع يعلم وقدما طلبهما صراحة ودون غموض بشأن ما أرادا لكن ما مل يفهماه هو طبيعة هذا الطلب )أو الصالة(. فقد نظرا إىل طلبهما باعتباره يعتمد متاما على يسوع فقد كان لديه ما يطلبان وبإمكانه أن مينحهما إياه بسهولة كما فعل حني ح ر ول املاء إىل مخر أو حني أشبع اجلموع. لكن ما مل يدركاه يف تلك املرحلة من حياهتما الروحية هو أن ما طلباه ال يعتمد باملقام األول على قدرة هللا على تلبية الطلب بقدر ما يعتمد على إمكانيتهما الروحية الستيعاب وقبول ذلك الطلب. فاهلل قادر ويريد أن مينحهما ومينحنا أيضا ما نصلي ألجله فيما هو جملده وما هو خلرينا. لكن السؤال األهم هو هل حنن مستعدون ألن نسمح هلل بأن يقودنا للنقطة اليت تكي ر ف إناء حياتنا ليمكننا أن نقبل منه بركات أعظم إذا فبدل أن نصلي قائلني: يا رب امنحين هذا أو ذاك علينا أن نصلي قائلني: يا رب اعمل يف حيايت مغ ر ريا ومزيال للعوائق اليت متنعين من معرفتك بشكل أفضل ومتنعين من أن اكون اإلناء املعرد حلياة أعمق وخدمة أعمق وبركة أعمق. باملناسبة ما الذي تصلي ألجله... حني تصلي 22

23 هناك درس آخر يربز من النقطة السابقة وهو أن صلواتناكثريا ما ختطئ اهلدف منذ بدايتها. فنحن ننظر للصالة وكأهنا حماولة لفتح يد هللا عنوة لنأخذ منه عطية يبدو لنا أنه يرتدد يف منحنا إياها بينما الواقع هو أن سبب تأخري العطاء هو عدم استحقاقنا أو استعدادنا لقبول تلك العطية. فأنا ال ميكنين ان أعطي ابين الصغري مسدسا أو سيارة أو منشارا كهربائيا كما ال ميكنين أن أتركه وحده يف أماكن معينة. رمبا يعتقد هو أنه يريد هذه األشياء لكين سأساهم يف ضرره إن كنت سأستجيب لطلباته هذه. ومثل االبن الضال يوضح لنا خماطر أن يوهب لنا ما نريد قبل أن نكون مستعدين له وهذا ينطبق متاما على حياتنا الروحية. أال تعتقد أن يسوع يرغب يف عالقة روحية أعمق وأقوى معنا وانه يفرح مبنحه عطايا جيدة ألوالده هل هو سبب التأخري أم حنن لكي يكون بإمكان التلميذين أن يأخذا من السيد ما طلباه كان ال بد أن خيوضا عملية "ين ب غ ي أ ن ذل ك ي ز يد وأ ين ر أنا أ ن ق ص " الواردة يف يوحنا 1::1 وهذا ينطبق علينا حنن أيضا. علرم يسوع يعقوب ويوحنا كما علمنا حنن أيضا أن نظرهتما ملا يطلبان نظرة خاطئة. وقد قال هلما يسوع ذلك بلطف إذ أن النص اليوناين األصلي يف مرقس :11:3 يستخدم ست مرات كلمة "de" اليت ترتجم إىل "لكن" مما يعطينا فهما أعمق حلقيقة احلديث الدائر. فما يريده يعقوب ويوحنا حقيقة كان خيتلف ع ر ما كانا يطلبانه بفمهما لكنهما مل يدركا ذلك. الحظكيف يغ ر ري استخدامنا لكلمة "لكن" من نربة احلديث: "يا م ع لر م ن ر يد أ ن ت ف ع ل لنا ك ل م ا طل ب ن ا. لكنه قال هل ما: م اذا ت ر يد ان أ ن أ ف ع ل ل ك م ا لكنهما قاال ل ه : أ ع ط نا أ ن جن ل س و اح د ع ن مي ين ك واآلخ ر ع ن ي سار ك يف م د ك. لكنه قال هل ما ي س وع : ل س ت م ا ت ع ل م ان م ا ت ط ل ب ان. أت س ت ط يع ان أ ن ت ش رب ا ال ك أ س ال يت أ ش ر ب ه ا أن ا و أ ن ت ص ط ب غا ب ال ر ص ب غ ة ال يت أ ص ط بغ هب ا أ ن ا لكنهما قاال ل ه : ن س ت ط يع. لكن قال هل ما ي س وع : أ م ا ال ك أ س ال يت أ ش ر ب ه ا أنا فت ش رب اهن ا وبال ر ص ب غ ة ال يت أ ص ط بغ هب ا أنا ت ص ط ب غ ان. لثالث مرات متتالية يقول الكتاب "لكن يسوع قال هلما" ردا على حديث يعقوب ويوحنا وكأن هناك موضوعني قيد النقاش ويف احلقيقة كان األمر كذلك. فيسوع كان يعل م ع ر ما يتحدث أما يعقوب ويوحنا فل م يدركا ما كانا يتحدثان به. واألمر ذاته صحيح بالنسبة لكثري من الصلوات اليت ر فعت ال ندرك حقيقة ما نصلي ألجله. عرب تاريخ الكنيسة مبا يف ذلك صلواتنا حنن فكثري ا ما 23

24 ويعلن كثري من املسيحيني يف مؤمتراهت م ويف صفوف درس الكتاب عن رغبته م يف أن يعرفوا يسوع على مستوى أعمق ولكي حيدث هذا جيب على هللا أن يتدخل ليزيل من حياتنا ما يعيق حصول ذلك. وقد يشمل هذا ليس فقط ما نوافق عليه بل قد يشمل أمورا سيرتكنا زواهلا يف حرية من أمرنا. وجزء من عمل هللا هذا قد يكون حجب أو تأخري بركات زمنية لكي يكون بإمكاننا احلصول على بركات أعمق يف املستقبل. بعض الربكات سنناهلا بينما ال نزال على األرض وأخرى سنناهلا يف السماء و جيعها سيت م منحها بدقة متناهية من يد هللا الكرمي الذي يتلذذ بأن يعطي عطايا صاحلة ألبنائه. ملاذا ال تعطيين ما أسأل يا رب! ملاذا ال تسمح يل هبذا يا رب! أن تطلب من هللا بركات أعمق ألمر خيتلف متاما عن ثباتك خالل عملية تأهيلك لنوال ذلك الطلب. إىل أي حد تريدان هذا األمر الذي تطلبان يا يعقوب ويوحنا إىل أي حد تريدون هذا األمر يا أوالد هللا باملناسبة ما الذي تصلي ألجله.. حني تصلي ميكننا بعد أن نتعلم درسا آخر من هذه احلادثة فحني يتعلق األمر بنوال بركة من هللا هناك دور نقوم به حننكما هناك دور يقوم به هللا. وقد سأل يسوع يعقوب ويوحنا إنكانا "يستطيعان" مستخدما الكلمة اليونانية "dynamai" واليت تعين القوة أو القدرة واليت أ خذت منهاكلمة ديناميت. هل ت س ت ط يع ان أ ن ت ش ر ب ا ال ك أ س ال يت أ ش ر ب ه ا أ ن ا و أ ن ت ص ط ب غ ا ب ال ر ص ب غ ة ال يت أ ص ط بغ هب ا أ ن ا وقد استخدم يسوع هنا تعبريين مازيني يف سؤاله هلما أحدمها يتطلب املبادرة بينما يتطلب الثاين القبول. ففي قبولنا الكأس حنن نقوم بفعل املبادرة ويف قبولنا أن نصطبغ بصبغته حنن نقبل عمله مستسلمني ملا يعطيه. األول عمل اختياري من طرفنا وهو أمر ليس سهال بأية حال والثاين هو أن نستجيب باإلميان بأن حنمل صليب ما يسمح هللا به يف حياتنا قابلني دفع الثمن ومكملني املسري بإميان هل ميكنك أن تشرب الكأس اليت شرهبا يسوع كأس عدم احلياة حبسب مقاييس النجاح اليت وضعها العامل. كأس املسري باإلميان يف أحلك الظلمات. كأس تقييم حياتك حبسب معايريكلمة هللا وقداسته ال حبسب معايرينا حنن للصالح والرب. كأس رؤية حقيقة خطيتك واعرتافك هلل ولآلخرين كلرما دعت احلاجة. كأس اجلدية يف السعي وراء يسوع قبل كل شيء آخر من مش ر وشات ومعيقات. كأس طلب ملكوت هللا أوال وسط عامل يلهث وراء كل ما تقدمه مغريات احلياة. فربيق العامل سيغرينا كما يغري غرينا أيضا ) 3 يوحنا 93:1( لكنك لن تد بريقا يف الكأس الذي يقدمه لك يسوع. 24

25 هل ميكنك أن تدرب نفسك على أن تطلب هللا يف الوقت الذي يسعى فيهكل اآلخرين وراء العامل وملذته هل ميكنك أن تسري مع هللا وحدك وحىت مىت هل سيمكنك الصمود يف مواجهة سهام العدو الذي يسعد بأن يثنيك عن طريقك وعن مبتغاك حلياة روحية أعمق فقد كان لدى الشيطان دهورا عديدة ليطور فيها أسلحته وتكتيكاته وهو خبري يف ما يفعل. فهل يستحق منك يسوع أن تنهض من فراشك باكرا لتمضي معه خلوتك هل ميكنك أن تراجع جدولك اليومي لرتى إن كنت أمضيت معه وقتا بقدر ما أمضيت يف نشاطات وهوايات غري مدي ر ة هل ميكنك أن تطفئ التلفزيون ليمكنك أن ختتلي بنفسك وتصلي رغم أننا سنعمل على تطوير هذا يف بقية هذا الكتاب لكن إن كنت تعتقد أن تناول الكأس أمر صعب فهذه حقيقة تتصاغر أمام صبغة األمل واملعاناة اليت يسمح هللا لنا هبا يف حياتنا لكي ال نعود وخنتار ألنفسنا. ويف الواقع إن هللا يسمح أحيانا بآالم ومعاناة يف حياتنا للدرجة اليت تعلنا نشك يف حمبته لوال وجود الوعود والتأكيدات املتكررة يف كلمته عن حمبته الالحمدودة. ورغمكل هذا فحني يشتد ليل التجربة سنشك به. إىل أي حد ميكنك أن تسري مع هللا بوجود األمل واحلزن وسط صلوات غري مستجابة وفقدان لألمل روحية حىت ووسط ظلمة مىت ميكنك أن تستمر يف مسريك مع هللا بفرح أو برتدد بينما ليس بإمكانك أن تفسر لشخص آخر ما يفعله هللا يف حياتك ألنك أنت نفسك لست قادرا على فهمه حىت مىت ميكنك االستمرار يف مسريتك مع هللا وأنت يف حاجة شديدة لكثري من األمور فأنت تراه باستمرار يستجيب لصلوات كثريين حولك ولكن لسبب تهله صلواتك أنت غري مستجابة. هل ال زلت تثق باهلل حىت مىت ستستمر باملسري مع هللا يف الوقت الذي يبدو لك أن هللا قد أشاح بوجهه عنك وح ر ول بركاته عنك إىل آخرين دون أن تعرف سببا لذلك بكلمات أبسط إىل أي نقطة ستستمر بانتظار هللا قبل أن تستسلم وترفض تناول الكأس الذي يقدمه لك مل يكن يعقوب ويوحنا أقوياء روحيا للدرجة اليت ظناها عن نفسيهما وكذلك حنن. فقد أساءا تقدير عزميتهما الروحية كما أساءا تقدير حقيقة الكأس والصبغة اليت حتدث عنها يسوع. فلو كان يسوع قد أرامها ما حيتويه الكأس وصبغتهما املعدة هلما فال بد أهنما ماكانا لينتظرا حىت جثسيماين ليهربا وكذلك حنن. وحنن أيضا علينا أن ندرك أننا لسنا نعي أو نفهم حقيقة ما نطلبه متاما كيعقوب ويوحنا. فعملية التنقية اليت خيضعنا هلا هللا هي ما يسمح لنا بقبول الربكات األعمق اليت من لدنه. ورغم هذا يبدو أن صلواتنا تركز على التخلص من العناصر ذاهتا اليت يستخدمها هللا ليجلبنا إىل نقطة الربكة هذه ذاهتا. فهل غريب قول بولس يف رومية 1::9: "أل ن نا ل س نا ن ع ل م م ا ن ص لر ي أل ج ل ه ك ما ي ن ب غ ي." فنحن نصلي ألجل بركة وإحسان من هللا ث نصلي طالبني التخلص من العملية اليت تقود 25

26 إىل طلبنا األول. وفوق هذا عادة ما نلوم هللا على عدم استجابته لصالتنا بينما هو يف احلقيقة يعمل مبهارة على إجابتها. باملناسبة ما الذي نصلي ألجله... حني نصلي وأخريا من طبيعتنا البشرية أن نشيح بوجهنا عن الكأس املوضوع أمامنا ونرفضه. وقد كان ليسوع نفسه كأس أمل تتخطى أبعاد ما ميكن لعقلنا احملدود استيعابه. فقد كان كأسه شديدا للدرجة اليت يقول فيها الكتاب: "صار عر ق ه كقط ر ات د م ن از ل ة ع لى األ ر ض." بينماكان جياهد يف صالته لآلب. وبعكس يعقوب ويوحنا كان يسوع يدرك متأملا ما حيتويه ذلك الكأس املعرد له إذ أشار له يف مرقس والعصر حيث كانت يقول: تعصر 1:-11:34 حني كان يف جثسيماين )اليت تعين مكان السحق مثار الزيتون إلنتاج الزيت(. وال بد أن نعجب من الوصف الوارد يف إشعياء حيث 11 "و ه و م ر وح أل ج ل م ع اص ين ا م س ح وق أل ج ل آث ام ن ا" إذ بدأت عملية السحق من بستان جثسيماين. ولو مل يتناول يسوع ذلك الكأس ملاكان لنا حنن أيضا أن نتناول كؤوسنا. بل واألسوأ من ذلك لكانكأسنا جحيما ال ينتهي يف انفصال أبدي عن هللا دون خالص. حني حاول بطرس أن ينقذ يسوع من االعتقال يف يوحنا 31::3 قال يسوع: "اج ع ل س ي فك يف ال غ م د! ال ك أ س ال يت أ ع ط اين اآلب أال أ ش ر ب ه ا ". لقد تناول هو الكأس اليت مل ميكننا حن ن تناوهلا. وتناول كأسه ليمكننا حنن أن نتناول كأسنا. لقد تناول الكأس املوضوع أمامه ليمكننا أن األبد. يف نكون يف شركة معه إىل خالل ثالث جوالت من الصالة توسل يسوع إىل اآلب أن جييز عنه الكأس يف أمل ال جياريه حىت أمل الصلوات اليت ر فعت قبل وبعد عملية الصلب. لكن ثالث مرات أيضا قال يسوع: "و لك ن ل ي س ك م ا أ ر يد أ ن ا ب ل ك م ا ت ر يد أ ن ت " )مىت :12:9(. وهذه العبارة األخرية دفع يسوع مثنها غاليا وكذا األمر بالنسبة لك إن كنت حقيقة تعين ما تصلي ولست تكرر الكالم باطال يف ما نطلق عليه اسم صالة. باملناسبة ما الذي تصلي ألجله... حني تصلي افتح قلبك. الكأس مسؤوليتك لتقبلها وتتناوهلا. يسوع يقدمها للجميع لكن ليس اجلميع يقبلوهنا. فهل ميكنك تناول الكأس اليت تناوهلا هو قدم يل الكأس يا رب فهي ضرورية يل كما كانت ضرورية لك. امنحين القوة والشجاعة إذ إن ما أسأله أمر خميف بالنسبة يل. اجعلين إناءا صاحلا لقبول ليس ما تقدمه يل اآلن فقط بل ملا تريدين أن أكونه فيما بعد أيضا. ليس يل قوة من ذايت لكن ب ك يا سيد. حررين من ذايت واستبدل ذايت بذاتك أنت. اعمل عملك يف حيايت. لتكن مشيئتك يف حيايت على األرض كما هي يف السموات. آمني. 26